شهدت القاعة رقم 2 بمحكمة القطب الجنحي بالجديدة، أخيرا، حركة غير عادية، وتزايدا في عدد عناصر الأمن، بشكل يوحي أن الجلسة غير عادية. امتلأت الكراسي بالمواطنين، أغلبهم نساء بعضهن يصحبن أطفالا صغارا تبين في ما بعد أن نسبة كبيرة منهن مشتكيات، وأزواجهن السابقين خلف القضبان لعدم أداء النفقة.
مثل المتهمون خلال الجلسة في حالة اعتقال، لمحاكمتهم حضوريا، بعدما دأبت هيأة الغرفة الجنحية التلبسية على إحضار المعتقلين من السجن المحلي بالجديدة، خلافا لمحكمة الاستئناف التي مازالت تواصل محاكمة المتهمين عن بعد، أمام تساؤل عدد من هيأة الدفاع التي غالبا ما تلتمس محاكمة مؤازريها حضوريا، ما يدفع هيأة الحكم إلى تأجيل المحاكمات.
تأجيلات
كانت الساعة تشير إلى 12 والنصف زوالا، حين أشرف رجال الأمن المكلفون بالتنظيم عند بوابة أو داخل محكمة القطب الجنحي بالجديدة، على تنظيم ولوج قاعة الجلسة ودخول المرتفقين من خلال تخصيص المقاعد الأولى للمحامين. وبعد مرور 10 دقائق رن الجرس، إذ دخلت هيأة الحكم إلى القاعة، يترأسها القاضي حسن أبلول، حاملا في يده الملفات المبرمجة. وبعد افتتاح الجلسة، طلب رئيس الهيأة من المحامين مده بأرقام الملفات غير الجاهزة، مع أسبقية للمحامين القدامى، وقتها تراجع المحامون الجدد إلى خلف فاسحين المجال لزملائهم أصحاب الخبرة والتجربة في طلب ملفاتهم حسب الأقدمية.
ارتبطت أغلب الملفات المعروضة خلال هذه الجلسة، بجنح تتعلق بالتهريب الدولي للمخدرات، مرتكبوها ضمنهم متهمون أدينوا في شبكة البارون “حمدون” ومتورطين في ملف ثان له علاقة بالشبكة نفسها. وبعد المناداة على المتهمين من قبل القاضي أبلول، والتحقق من هوياتهم تباعا وتسجيل مؤازرة عدد من المحامين الذين طالبوا بمهلة كافية قصد إعداد الدفاع، تقرر حينها تأجيل النظر في الملف لمدة 15 يوما لعدم جاهزيته، وغياب محامين من خارج هيأة الجديدة.
كما عرفت أطوار تلك الجلسة تأجيل ملفات أخرى لها علاقة بحيازة وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة، والمتابع فيها جانح في عقده الثاني، اتضح من خلال التحقق من هويته، أنه عديم السوابق، ولم يسبق له قضاء عقوبات سالبة للحرية.
ورطة النفقة
من بين الملفات التي تثير العطف والشفقة، قضايا متهمين متابعين في حالة اعتقال بتهم إهمال الأسرة، والتي عرفت حضور طليقاتهم رفقة الأطفال في مشهد مثير، حيث لم يتمالك أحد المتهمين نفسه، وبدأ في البكاء أمام هيأة الحكم قائلا “إنهم أطفالي سيدي القاضي، والفقر والحاجة جعلاني لا أنفق عليهم”، قبل أن يقرر رئيس الهيأة تأجيل النظر في الملف، بعدما طلبت طليقته مهلة من أجل تعيين محام للدفاع عنها.
حالة العود
من الملفات التي تمت مناقشتها خلال الجلسة نفسها بعد تأجيلها لجلستين، ملف إصدار شيك بدون رصيد، متابع خلاله متهم في عقده الرابع، وأثناء مناقشة الملف خاطبه القاضي حسن أبلول ” سبق أن حاكمتك في السابق… مازلت أتذكر جيدا”، بعدما سبق أن قدم في حالة اعتقال على خلفية تورطه في الفعل الجرمي نفسه
وأثار تقديم مواطنين أجنبيين يحملان السحنة الأوربية في حالة اعتقال أمام هيأة الحكم وتحت حراسة مشددة لعناصر الشرطة، استغرب الحاضرين ذكورا وإناثا.ومثل المتهمان في قفص الاتهام، قبل أن يعمل القاضي أبلول على إخفاء ملامح وجهه بملف، أثناء استشارة القاضيين محمد الكراوي و بدر العطباش، ليتقرر تأجيل النظر في ملفهما وذلك لاستدعاء مترجم محلف، لأن المتهمين المتابعين من قبل قاضي التحقيق في ملف التهريب الدولي للمخدرات، يحملان جنسية إحدى دول الاتحاد السوفياتي السابق، بعد جنوح قاربهما الذي كان قادما من جزر الخالدات.
طلب الصفح
مع بداية مناقشة الملفات الجاهزة خلال تلك الجلسة، أحضر رجال الأمن المعتقلين من محبس المحكمة، أحدهم المتابع في حالة اعتقال بجنحة الضرب والجرح بواسطة السلاح والسكر العلني واستهلاك المخدرات، حضر بجانبه خارج قفص الاتهام الضحية المشتكي والذي يبدو أنه أصيب إصابات بالغة في يده نتيجة تعرضه للاعتداء بواسطة سكين.
ورغم محاولات دفاع المتهم تأجيل القضية، نظرا لوجود محاولات صلح، تشبث الضحية بالمتابعة، فتقرر اعتبار القضية جاهزة بعد تأجيلها لأكثر من مرة، قبل أن يلتفت المعتدي تجاه المشتكي، الأمر الذي لم يستسغه رئيس الجلسة الذي خاطبه قائلا ” انظر إلى هنا.. واحترم المحكمة “، ما جعل الشاب المعتقل يطأطئ رأسه أمام هيأة الحكم.
ورغم محاولته إنكار التهم المنسوبة إليه، تراجع أمام أسئلة القاضي حول واقعة الاعتداء، وطلب الصفح من المحكمة والضحية، وأرجع سبب اعتدائه على الضحية إلى أنه كان في حالة غير طبيعية بعد تناوله للخمور ومخدرات أفقدته وعيه ولم يشعر حينها بفعلته، قبل أن يتفاجأ لحظة استرجاعه لوعيه معتقلا بمقر الأمن الإقليمي بالجديدة.
قضايا المخدرات
عرفت الجلسة نفسها، مناقشة بعض الملفات المتعلقة بجنح حيازة واستهلاك وترويج المخدرات، والمتابع خلالها جانحان لا يتجاوز عمرهما العقد الثالث. ويلاحظ أنه غالبا ما يرافق ملفات مروجي المخدرات والمتابعين، بعض الشباب ونسوة وشقيقات من أقارب المروج المعتقل.
وعاينت “الصباح”، أثناء مواكبتها للجلسة الأخيرة، مناقشة ملف متابع فيه مروج يتحدر من جماعة البئر الجديد، وحين خاطبه رئيس الجلسة “هل بإمكانك انتداب محام للدفاع عنك؟” أجاب “لم أتصل بعائلتي بعد”، ليتقرر تأجيل النظر في هذا الملف إلى الأسبوع المقبل، من أجل منحه فرصة للتواصل هاتفيا مع عائلته من داخل السجن، لانتداب محام للدفاع عن قضيته.
الصباح